الشباب المسلم وتحديات الواقع المعاصر
بقلم : د.
عبد الجبار سيد أحمد منصور
عند دراسة الواقع الثقافي الحالي في العالم الإسلامي،
يتبين مدى ما حاق بالأمة الإسلامية من تبدل وتغيير، وما أصاب العقول والقيم
الثقافية والاجتماعية والأخلاقية بفعل الغزو الفكري والحضاري والغربي، الذي تعرض
له العالم الإسلامي بشدة في القرن المعاصر، والذي بدأ التمهيد له قبل ذلك بقرنين
من الزمان أو أكثر.
هذا الغزو كان من آثاره المدمرة، كثرة ما
يعانيه العامة والخاصة، والشباب.. والكبار، من آثار مدمرة، كانت عواقبها الكثير من
المشكلات والتحديات التي تواجه أبناء العالم الإسلامي، وليس من الصعب الفكاك منها،
إلا بما يهيء الله تعالى من رحمة بعباده المسلمين المؤمنين، ويتضافر أبناء الأمة
الإسلامية جمعاء، للتصدي لهذا التيار الجارف، الذي لا يبقى ولا يذر.
كما أن هناك جوانب سلبيةً أخرى، ومعوقات
تواجه العالم الإسلامي منها ما هو عقدي ومنها ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي وكلها
في أساسها، المسببات الرئيسية للمشكلات والتحديات التي يعاني منها العالم الإسلامي
.
ونعرض فيما يلي أهم المعوقات والتحديات
التي تواجه الشباب المسلم في العالم المعاصر.
الغزو الفكري الغربي للعالم الإسلامي:
رغم أن الاستعمار العسكري والسياسي الغربي
للعالم الإسلامي، قد انتهى وانحسر، عن أكثر بلدان العالم الإسلامي؛ فإن الغزو
الفكري والثقافي الذي بدأ مع بداية الاستعمار العسكري والسياسي – بل وقبل بدايته –
قد استمر يعمل عمله في تبديل المبادئ وتغيير القيم الثقافية والفكرية والاجتماعية
والأخلاقية بين أبناء المجتمع الإسلامي؛ حتى أن الناظر للمجتمعات الإسلامية اليوم،
ليجد المجتمعات الإسلامية المعاصرة مختلفةً كل الاختلاف عن المجتمعات الإسلامية
قبل قرنين من الزمان، وقد أصبحت في بعض المجتمعات أشبه ما تكون بالمجتمعات
الغربية.
والقصد بالغرب هنا.. الحضارة
الصليبية المعادية للإسلام، والتي تعاونت مع اليهود الحاقدين على الإسلام، والذين
انتظمتهم في القرون الأخيرة الحركة الصهيونية، التي حاربت المسلمين والخلافة
الإسلامية حربًا عوانًا لا هوادة فيها.
وقد استعمل الغرب التنصير – أو التبشير –
كأداة تمكنه من إخضاع الدول الإسلامية لنفوذه، حتى يسهل عليه أمر استغلالها، وسلب
خيراتها، وتسخير رجالها لخدمته؛ حتى يزداد بذلك قوةً وثروةً، وقدم الغرب للمبشرين
كل عون مادي ومعنوي؛ حتى يمكنهم من القيام بعملهم، على الرغم من أن أكثر رجال
السياسة والحكم في الغرب لا يهتمون بالدين، وقد لا يؤمنون به مطلقًا؛ ولكن عدم
اهتمامهم بالمسيحية، أو عدم إيمانهم بها، لا يمنعهم من العصبية والحقد على الإسلام
وأهله، وهذا أمر شبوا عليه منذ الصغر، واستقر في أعماق نفوسهم .
وحتى يتمكن للمبشرين تحقيق أهدافهم، عملوا
على معرفة أحوال البلاد الإسلامية، والتعمق في أفكار المسلمين، ودراسة مشاعرهم
وعواطفهم وميولهم، ولمكرهم ودهائهم حصلوا على ثقة عدد من المسلمين الذين باتوا
يؤيدونهم بطرق خفية؛ بل إزداد مكرهم ودهاؤهم وتوادهم الظاهر إلى المسلمين، بغية
تحقيق ما تطمح إليه نفوس المسلمين، من الاستقلال السياسي والاجتماعي، والنشأة
القومية؛ حيث فعلوا ما في وسعهم للدخول إلى قلوب المسلمين، وتحقيق مآربهم المدمرة
ضد الإسلام والمسلمين .
وقد استخدم المبشرون طرائق عديدةً مباشرةً
وغير مباشرة، في تحقيق مقاصدهم، من ذلك إنشاء المدارس والمجلات والجمعيات والعلاج
الطبي والتمريض، ومراكز التوليد والصحة، وإغراء النساء المحجبات لخلع حجابهن
والإقبال على العمل والتعليم المختلط .
ولم يعدم المبشرون من وسائل الإغراء
المباشرة أو غير المباشرة، في سبيل تحقيق أهدافهم الدنيئة، من ذلك ما يلجأ إليه
المبشرون من تنبي الأطفال اللقطاء، أو الأيتام، أو أبناء الأسر الفقيرة، في كثير
من البلاد الإسلامية، ويتبع ذلك عادة تنصير هؤلاء الأطفال وتحولهم عن دينهم عندما
يشبون ويكبرون .
وهذا الغزو الفكري الغربي
أوجد بلبلةً في نفوس الشباب، وحيرةً دائبةً وحيث أصبح الشباب المسلم في وقتنا
المعاصر في مسيس الحاجة إلى التعمق في دينه، ومعرفة ما يحيق به من مخاطر، وكيف
يمكنهم مواجهة التحديات التي تكاد تصرعهم .
إشاعة فكرة القومية :
إن وحدة الأمة الإسلامية التي يدين لها
أكثر المسلمين بالولاء والطاعة، تُعَد من الأمور التي جاهد الغرب طويلاً للقضاء
عليها.
وخوف الغرب من الوحدة الإسلامية – على
الرغم مما أصبح عليه حال المسلمين في القرون الأخيرة – أشد من خوفه من أي خطر آخر.
لذلك حرص الاستعمار الغربي على تمزيق
الوحدة الإسلامية، وقام بتشجيع الحركات القومية في البلدان الإسلامية، وكان سعيه
الدائب في بادئ الأمر، يهدف إلى تحطيم الخلافات الإسلامية، التي ظهرت في قرون
معينة كالخلافة العثمانية، ثم تطور فكر الاستعمار الغربي – بعد ذلك – إلى إثارة
النعرات القومية، والقوميات المحلية المحدودة، التي تقوم على أساس تنحية الدين
جانبًا، أو ما يُسَمَّى بالعلمانية، وهي من أخطر المخاطر التي تحيق بالشباب المسلم
المعاصر.
محاربة اللغة العربية :
كان من أهم أهداف الغرب المستعمر، القضاء
على اللغة العربية، بهدف قطع كل صلة بين المسلمين وبين التشجيع الإسلامي، وخاصةً
كتاب الله الذي يريدون أن يصبح كتاباً غير مفهوم إذا – لاقدر الله – ضعفت معرفة
المسلمين والعرب بلغتهم، أو هجروا الفصحى واكتفوا باللهجات المحلية.
وقد شنّ العالم الغربي على اللغة العربية
حربًا ذات شقين :
الشق الأول: يهدف إلى إبعاد المسلمين والعرب
عن لغتهم ومزاحمة لغاته لها. وبذلك يقل علمهم بها، وتضعف معرفتهم لها.
الشق الثاني: يحاول بكل الوسائل إزاحة
اللغة الفصحى وإحلال اللهجات المختلفة في البلاد العربية مكانها؛ بحيث لايتيسر
للغرب التفاهم فيما بينهم، فضلاً عن تعذر أو صعوبة فهم القرآن والسنة النبوية،
وسائر كتب التشريع والتراث الإسلامي.
وكان نتيجة لذلك أن عمد المستعمرون في
البلاد العربية إلى فرض لغتهم في المدارس في أولى المراحل التعليمية، ومنع تعليم
اللغة العربية واكتفوا في بعض البلاد بجعل لغتهم أساسيةً مع اللغة العربية.
ومن المؤسف أن هذه الدعوات من قبل العالم
الغربي، وجدت صدىً بين بعض المسلمين والعرب؛ بل أن الغرب حاول محاولات عديدةً في
إشاعة العامية في بعض البلاد الإسلامية والعربية، واستخدم لذلك محاولات أخرى في
بلاد أخرى.
ومن العجيب أن تكون هناك الدعوة من بعض
العرب المسلمين إلى ترك اللغة العربية الفصحى؛ وهي أعظم اللغات الحية، وفي نفس
الوقت تقوم إسرائيل بإحياء اللغة العبرية؛ وهي لغة قديمة ميتة.
هذه المحاربة للغة العربية، سواء كانت بهدف
قطع العرب والمسلمين صلتهم بالقرآن الكريم، أو إشاعة اللغة العامية، أو التأكيد
على أن قواعد اللغة العربية صعبة للغاية، ويكفي أن يكون هذا مبررًا للعـدول عنها
إلى العامية، هذه المحاولات جميعًا كانت بهدف القضاء على أهم مقومات الواحدة
العربية والوحدة الإسلامية.
وقد أوجدت هذه الحرب التي استعرت منذ منتصف
القرن السابع عشر في أوروبا وفي البلاد العربية التي استعمرت منذ مطلع القرن
الثامن عشر وما قبله، أوجدت الفرقة بين أبناء الأمة العربية والإسلامية، وبات
الشباب يبحث عن هويته وعن أصوله وجذوره الثابتة.
تغيير نظم التعليم :
يعاني الشباب المسلم في الوقت
الحاضر من ازدواجية التعليم في بعض البلاد العربية والإسلامية، وحيث أوجد
الاستعمار في بعض البلاد العربية سلمين تعليميين غير مرتبطين ولا متصلين ببعضهما
البعض، وحيث وجدت مدارس حديثة ابتدائية وتجهيزية وخصوصية وعالية توصل إلى المناصب
والنفوذ والثروة، متوازيةً مع التعليم الديني في المعاهد الدينية والكتاتيب، والتي
لا توصل إلى شيء من المناصب والنفوذ.
وقد حاول بعض المصلحين في هذه البلاد
القضاء على هذه الثنائية؛ ولكن الاستعمار الغربي حاول بشتى الطرق تأكيدها
وتعميقها، وحيث حرص الغرب – في كثير من البلدان الإسلامية – على إضعاف التعليم
الديني الإسلامي والثقافة الإسلامية، وإبطال فعاليته وأثره في الأمة. وكانت
وسيلتهم في الوصول إلى ذلك قائمةً على إخضاعه وإخضاع علمائه لسلطانهم، والحكومات
التي كانت تؤيدهم، مع التقيد الشديد في الإنفاق على التعليم، واغتصاب أموال
الأوقاف الأهلية المخصصة للتعليم الديني وضمه إلى وزارة المعارف أو قصره على
مجالات محدودة.
أضف إلى ذلك أن نظام الابتعاث إلى المعاهد
العلمية في الغرب أُقيم على اختيار أفضل وأنجب الطلاب والخريجين وإحاطتهم برعاية
خاصة وتوجيه قوي، وكان من نتائج ذلك أن بعض – ولا نقول كل – المبتعثين يعودون إلى
بلادهم متأثرين بالحضارة الغربية، في أخلاقهم وأفكارهم وعاداتهم، ثم يتولى هؤلاء
المناصب الهامة في بلادهم؛ فيقبلون من خلالها على توجيه إخوانهم ومواطنيهم توجيهًا
غربيًا، وبذلك تحقق الثقافة الغربية بين شباب العرب والمسلمين – في بعض الأحيان،
ليس عن عمد أو قصد – أهداف الغزو الفكري الغربي.
وسائط الإعلام :
لازال العالم الغربي والاستعمار الثقافي،
الذي ورثه العالم العربي والإسلامي، منذ أمد بعيد، يحاول اصطناع العملاء من
الحاقدين على الإسلام، باستخدام وسائط الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة، والتي
من شأنها تبلبل أفكار الشباب وتحاربهم بطرق غير مباشرة، سواء كانوا من الذكور أو
الإناث؛ بل إن ما استحدث منها، من الفيديو والآلات السينمائية التي تستخدم داخل
المنازل، أدت إلى تيار جارف من اللامبالاة بين الشباب، وحيث يحاول المسؤولون في
العالم العربي والإسلامي التخفيف من حدته أو التقليل من سرعته ما أمكن، ولكن بدون
جدوى.
إن المناخ الثقافي والفني والإعلامي، الذي
يعايشه الطفل أو الصبي أو اليافع أو الرجل، يؤثر تأثيرًا بالغًا على تشكيل عقله
وتفكيره، ومالم يكن هذا المناخ مناخاً صحيًا سليمًا، يغذي النفوس والعقول بالأفكار
والقيم والمشاعر السليمة، ويفتح آفاقها، ويربي ذوقها، ويشحذ إرادتها، ويسمو
بدوافعها؛ فلا يمكن بحال من الأحوال أن يسود الأمة أو المجتمع رأى عام صحيح وسليم،
ويقاوم الانحراف، وينبذ الأنانية والتعصب، ويدفع عجلة التقدم والبناء، ويقف بجوار
الحق، والخير، والعدل، والجمال.
وإن مهمة وسائط الإعلام في توجيهها للعامة
والخاصة والصغار والشباب والكبار، ليست شغل الوقت فقط، وبأي برنامج أو ثقافة أو
كتب؛ بل إن برامجها حتى ما كان منها للتسلية والمتعة، يجب أن تهدف إلى الوصول إلى
الفكر السليم، وإلى تهذيب وتقويم السلوك الاجتماعي والفردي من خلال ما يعرض؛ لأن
تقديم الفكر والتوجيه من خلال الأنشطة والبرامج الإعلامية لها إيحاء نفسي مؤثر،
وعلى المسؤولين استغلال هذه التأثير فيما يعود بالنفع، وفيما يساعد على البناء
السليم للأمة العربية والإسلامية، وبما يؤكد على الإيجابيات والأشياء الحسنة،
والتنفير من السلبيات ومن الأشياء الضارة.
إن وسائط الإعلام في عالمنا المعاصر، قد
تكون سببًا في إثارة أحاسيس الشباب وتنفيرهم وتحفيزهم في بعض الأحيان للخروج عن
الضوابط الاجتماعية، نتيجةً لما قد تقدمه من معلومات خاطئة غير موثوق فيها، أو من
إثارات جنسية أو عرقية أو دينية، وما قد يحدث من ذلك من بلبلة الأفكار وعدم إتاحة
فرص التفكير السليم البناء، والفهم الصحيح لمجريات الأمور، الأمر الذي يشتت عضد
الشباب ويباعد بينهم وبين مجتمعاتهم، ويجعلهم من المتمردين في بعض الأحيان، في حين
أن وسائط الإعلام البناءة تحرص كل الحرص على إعطاء المعلومات الصحيحة الموثوقة،
سواء فيما ينشر أو يذاع أو يكتب أو يعلن ومن ثم؛ فإنها تتيح الفكر السليم الثاقب،
لأبناء المجتمع، والفهم الصحيح لما يجري حولهم، والالتزام بالقيم والمعايير
السليمة والتمسك بالعقيدة، وبذلك يستطيع أبناء الأمة وخاصةً القوى الفعالة من الشباب
في المشاركة البناءة وفي الأمور النافعة، وتنمي لديهم الحاسة النقدية لتمحيص كل ما
يعرض عليهم حتى لا يخدعون.
الحرب العلمية والفكرية:
بدأت الحرب العلمية والفكرية ضد الإسلام
منذ بدايته؛ فقد جاء الإسلام بدين الحق، الذي نسخ الأديان كلها، وبشريعة كاملة ألغت
المذاهب والنظم المعارضة له، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فأوغر ذلك صدور
المتعصبين الحاقدين، وكان المسلمون أقوياء حطموا ملك الأكاسرة والقياصرة؛ فلم تكن
هناك وسيلة لهزيمتهم عن طريق القوة والحرب، ولذلك لجؤوا إلى المكر والخديعة،
ووجدوا أن الحرب الفكرية هي وسيلتهم الوحيدة، وأندسوا بين الفرق الإسلامية
يوجهونها توجيهًا مضلاً، ويوسعون شقة الخلاف بذلك بين المسلمين.
وكان من نتيجة ذلك، الضراع بين الموالي
والعرب باتخاذ طريقة الشعوبية في محاربة الإسلام، واتخاذ كل وسيلة لإيجاد الخلاف
بين المسلمين، الأمر الذي تبعه ظهور الفرق المتعددة في الإسلام، وأثر ذلك على
الشباب والشبيبة.
وقد سلك اليهود مسالك شتىً في ذلك؛ فبدأت
حربهم للإسلام منذ بعثة النبي – صلى الله
عليه وسلم – واستمرت
أيام الخلفاء الراشدين، وقام عبد الله بن سبأ وفرقته السبئية بالتفريق بين
المسلمين، وادعاء ألوهية علي – رضي الله عنه – ، واستمرت مؤامراتهم منذ ذلك الحين
إلى وقتنا الحاضر، في أشكال متعددة مثل الماسونية وجمعية أبناء العهد. وحتى انتظمت
في صورتهما الأخيرة في الحركة الصهيونية العالمية، والتي تعد أخطر ما يواجه شباب
الأمة والعالم الإسلامي في الوقت الحاضر.
ولقد تعاونت الصليبية والصهيونية تعاوناً
وثيقاً في حربهم العلمية والفكرية ضد الإسلام وارتبط الغزو الفكري الغربي منذ
بداية القرن العشرين ببعض المذاهب والدعوات الهدامة التي ارتبط أكثرها بالصهيونية
واليهودية العالمية، مثل آراء: "فرويد" في علم النفس، وبعض آراء "دوركيم" في علم
الاجتماع، وآراء "الماركسية" في المادية الجدلية، والمادية التاريخية، ومذهب "الوجودية
الفلسفي" وخاصةً في جانبه المادي الملحد، وقد أثر هذا كله على
انحراف الشباب واتباعهم سبل الغواية والضلال .
تغيير الأخلاق وتبديل الحياة الاجتماعية :
ارتبط تغيير الأخلاق وتبديل الحياة
الاجتماعية، في الأمة الإسلامية في القرون الأخيرة، باستخدام وسائل الإعلام،
وبالحرب العلمية الفكرية.
وقد تأثر البعض من العرب والمسلمين
بالحضارة الأوربية، والتي كان من آثارها تغيير الكثير من القيم والعادات والتقاليد
الإسلامية، والمطالبة بأمور كان من آثارها انتشار الكثير من الاضطرابات
والاختلالات الخلقية؛ فمنهم من طالب بتحرير المرأة من الجهل والحجاب، وتمكينها من
أن تكون قوةً فعالةً، وأداةً نافعةً في المجتمع، وليس في هذا ما يعيب؛ ولكن
الأساليب التي اتبعت والابتذال والسفور الفاضح هو الذي أدى إلى تفسخ الحياة
الاجتماعية، ومنهم من طالب بتقييد تعدد الزوجات، ودافع عن مشروعية الطلاق في
الإسلام، ولكنه نادى بمشروع قانون وضعي للطلاق، يغاير ما أقره الشرع الإسلامي.
وكان من نتيجة الاندفاع
والتشدد في الأخذ بالحضارة الغربية في جوانبها التربوية والاجتماعية، ما أدى إلى
أبواب الشر أمام الشباب.
ولا بأس أن تكون هناك الدعوة إلى ما في
الحضارة الغربية من تقدم علمي وجوانب نافعة؛ بحيث لا تحدث الإغراء عند الشباب،
والذي يجب أن يلتزم بما جاء بكتاب الله العزيز وسنة نبيه المباركة، وما كان عليه
السلف الصالح من التزام وإيمان بالعقيدة .
لقد كان من حصاد تغيير
الأخلاق وتبديل الحياة الاجتماعية، انتشار البغاء والقمار والمخدرات والصور
العارية في المجلات، وانحرف الشعر والأدب، وطغت القصة على كل الفنون الأدبية،
وأصبحت معرضاً للنماذج المنحرفة الشاذة المثيرة لأحط الشهوات، حيث تقدم باسم
الواقعية تارةً، وباسم التحليل النفسي تارةً أخرى، حتى أصبح فن القصة أشد خطورة من
الكوكاكيين والحشيش والأفيون، وصار من أبشع وسائل الإفساد والإغراء والهدم، بعد أن
انتقل ميدانه إلى السينما.
وقد انتشرت جوانب الإفساد الخلقي والانحلال
الاجتماعي في بعض البلاد منذ الحرب العالمية الأولى، وتطورت تطورًا هائلاً منذ
انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحتى يومنا هذا.
فقد تعددت الوسائط في نشر الفساد من وسائل
الإعلام الحديثة من الإذاعة والسينما والتلفزيون والفيديو، وما استحدث من أمور
جديدة باسم السياحة، وباسم الرياضة، والأندية الرياضية، وباسم النشاط الاجتماعي
والخدمات الاجتماعية، والحركات النسائية، وباسم الفنون والفرق الشعبية، أو
الراقصة... أو غير الشعبية، بأسماء وأشكال أخرى لا عد لها ولا حصر، مما أوجد وسائل
متعددةً من الإغراءات التي تغري أقدام الشباب وغيرهم.
إن من وسائل الغزو الفكري دمرت الأخلاق،
وبدلت الأوضاع الاجتماعية وكثير من الشباب المسلم انساق مع هذا التيار الجارف، وهم
لا يعلمون أنهم يحققون أهداف أعدائهم، ويحيون بسبب ذلك حياةً لاهيةً عابثةً،
يشغلون فيها بسفاسف الأمور والتفاهات، فضلاً عن المعاصي والآثام، وذلك بدلاً من
الدأب والمثابرة والإعداد المستمر ليوم الجهاد والخلاص من أعداء الأمة والعالم
والإسلامي .
هذا بالإضافة إلى أن الإفساد الأخلاقي
والاجتماعي، والذي هو من آثار الغزو الفكري الحضاري الغربي على المسلمين، كان من
نتائجه إصدار القوانين والمقاييس الخاصة بالفضيلة أو الرذيلة، التي وضعت واستمدت
من القوانين الغربية الفرنسية والإيطالية... وغيرها، والتي تخالف الأخلاق والأعراف
الاجتماعية في المجتمع الإسلامي، فضلاً عن مخالفتها للشريعة الإسلامية الحنيفة.
... وبعد: إن هذه التحديات للواقع المعاصر،
تقف حجر عثرة أمام الشباب المسلم في مدارسهم وجامعاتهم، وبين أهلهم وذويهم، وفي
عملهم وفي حياتهم الزوجية والعائلية، وفي أوقات جدهم وفراغهم، وحيث يترتب عن ذلك
كله، أو بعضه مشكلات أخرى تعرف بمشكلات التكوين النفسي في مرحلة الشباب، وهي التي
سنعرضها في الفصل القادم تحت عنوان المشكلات النفسية والاجتماعية التي تواجه
الشباب.
جمادى
الأولى – جمادى الثانية 1430 هـ = مايو - يونيو 2009 م ، العدد : 5-6 ، السنة : 33